فن الأداء ثورة فنية تجربة الفنان طارق الرياحي و آخر أعماله "سيستم اكس"-طنجة الأدبية
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
متابعات

فن الأداء ثورة فنية تجربة الفنان طارق الرياحي و آخر أعماله "سيستم اكس"

فن الأداء « performance art »
فن الأداء فن هجين و متمرّد، هو خطاب وممارسة فنية تتأثر باستمرار بالتطورات العلمية والتقنيات الحديثة  من جهة، و بالتغيرات المجتمعية والفكرية من جهة اخرى ليكون فنّا يعتبر هو الوسيط و المحرك الاساسي لفكر الفنان المبدع الذي يتخذ التقنية التكنولوجية منهجا فكريا يمّكنه من معالجة الإشكاليات برؤى نقدية و مقدّما بالتالي تصوراته وأفكاره كمواد للبناء الجمالي و للممارسة الفنية موظفا الجسد كحامل لتلك الأفكار. يعتبر فن الأداء "البيرفورمانس" فنا مرتكزا على الجسد الحاضر أي الجسد الحقيقي للفنان الذي يؤدي العمل الفني بشخصه بلا قناع الشخصية المسرحية وذلك في حوار فني و ثقافي مباشر يجعل الجمهور شاهدا و طرفا من أطراف الفعل الفني.
فن الجسد
كل ثقافة تختزن مفاهيم و تصورات فلسفية عن موضوعة الجسد، حيث شكل الجسد في مختلف الأزمنة والأماكن تمثلات أنثروبولوجية وعرقية وروحانية تتحكم فيها ثقافات الشعوب، ما حثّ الباحثين على التركيز في محاولتهم فهم الإنسان وكينونته من خلال التركيز على مفهوم الذات والوقوف على المؤثرات في الهوية سواء منها البيئية أو الاجتماعية أو الدينية في تمظهرها من خلال الجسد و ابعاده المختلفة. فالمادة الجسّدية إشكالية رئيسية راسخة في الذاكرة الجماعية تطرح تساؤلات وجودية عن معنى كينونة البشر ومعاني تملّك وامتلاك الجسد في حدِّ ذاته، فكما يقول عنها بول ريكور:
"إنها لمشكلة كبرى أن نفهم الطريقة التي بها يكون جسدنا الشخصي جسدًا من بين الأجساد، موجودًا لصورة موضوعية بين الأجساد، وفي الآن نفسه مظهرًا من مظاهر الذات باعتبارها شكل وجوده في العالم"
ان الجسد ذاكرة الإنسان حيثما كان، يختزل وجوده المفجوع في لحظة تأمل، ولسنا نتحدث عن جسده هو فقط  وإنّما نتحدث عن انتماء المادة الجسدية  التي يقف الفنّان حيالها منبهرا ثم متأملا في تفاصيلها وعمقها و نظام الدلالة وانسياق الجمال فيها. تمثّل هذه الأسئلة في لجاجتها وإلحاحها جوهر إشكالية مبحث الفنان  طارق الرياحي في عرض ‘سيستم إكس  .‘



الفنان طارق الرياحي
فنان و مثقف عربي, تونسي و مغربي الجنسية مقيم بعاصمة الثقافة اللاتينية بوينوس آيرس بالأرجنتين. من ابرز اعماله بالمغرب مسرحيته "شظايا طين" و هي مستوحاة من اساطير جلجامش البابلية العريقة، مسرحية "جسد" التي ناقش فيها اشكالية الطفل الغير شرعي و تابوهات اجتماعية حول موضوع المرأة العربية، وعدة أعمال خارج المغرب كمسرحية فلامنكو معاصرة بالارجنتين "لا تتوقف عن رؤيتي" و مشاركته في بيينال البيرفورمانس هناك مع العالمي سانتياغو سييرا حول ضحايا الحرب السورية، و عدة اعمال تندرج ضمن فن الأداء الذي تعمق و تخصص في دراسته في ماجيستير دراسات فن الأداء بجامعة الفنون الجميلة بالارجنتين.
تمثّل الهوية وعلاقتها بالجسد، الدين، المجتمع و السياسة جوهر الأسئلة التي في لجاجتها اشكالية مبحث الفنان "طارق الرياحي" في سلسلة أعماله الأخيرة؛  كعرض " و لا واحدة أقل " الذي ناقش فيه الجسد الاجتماعي للرجل و المرأة و تعصب المجتمع الطبقي الأبوي الرأسمالي ضد المرأة من خلال قمع جسدها و حصرها في خانات و قوالب رجعية ؛ و عرض "دماغي" بمتحف الفنون الجميلة ببوينوس آيرس حيث تطرق الى مفهوم المنطق و تجلياته من خلال آليات التفكير و تقنيات اللغة كبنية تكنولوجية تعكس الفكر كامتداد جسدي حسّي ملموس؛ و فيلم تجريبي "الجيران" الذي شارك فيه فنانون من كل القارات، يتطرق الى العلاقات الاجتماعية في المدن الكبرى التي تلتهم دائرة العلاقات؛ و فيلم "سينتيتيك" أو "اصطناعي" الذي برمج في ليلة المتاحف ببوينوس آيرس و تم اختياره ضمن فعاليات مهرجان البيرو لفن الأداء 2018 الذي يناقش مشكلة التلوث البيئي و دور الاكياس البلاستيكية في خنق الجسد الطبيعي ; عرض "صفر واحد" اقيم في متحف الفنون الجميلة بالارجنتين و هو عرض يخلق طقسا روحيا حديثا انطلاقا من نرجسية الذات الانسانية و يناقش فيه حدود الهوية و الذاكرة و الذات. كما شارك في العديد من المهرجانات الدولية متخصصة في فن الأداء كبيينال المكسيك لسنة 2016 و بيينال بوينوس آيرس 2017 و أيام البيرفورمانس اللاتينية ببونوس آيرس لثلاث سنوات متتالية.



"سيستم إكس" عرض يثور ضد المحظورات في العالم العربي
عرض "سيستم إكس " للفنان طارق الرياحي يناقش دور الانظمة في تشكيل الهوية من خلال المحظورات و التابوهات المجتمعية الموروثة كالحرية الجنسية، المساواة بين الرجل و المرأة فعليا،الاغتصاب و الاجهاض، و الدخيلة كالتطرف الذي يحاول ان يغزو المجتمعات العربية، تضارب مفاهيم الهوية و الحرية بين الفكر الغربي و الفكري العربي. هو عرض يرتكز على الجسد و ابعاده من جهة و على الكلمة الملقاة من خلال حمولتها لا من خلال رنتها اللحنية او الشاعرية و ذلك من خلال نصوص بلغات اربع و هي العربية، الفرنسية، الانجليزية و الاسبانية.
‘’انهم يطرقون الأبواب
انهم يقتحمون المنازل المتداعية
يعتقلون المرتديين و يحرقون أفكارهم بالسجائر الغالية
يخطون على الاجساد الكافرة خرائطهم نحو عدن
انهم لا يأكلون التفاح
و لا يتوسدون الكتب
انهم يسترقون السمع كالشياطين
فلتخرس يا عقل و لتذهبي للجحيم يا حرية
انهم يتوالدون كالبكتيريا
يتكاثرون كالصراصير المنزلية
ينتشرون كبعوض امريكا اللاتينية
من سكات,  بلا سابق انذار و يهجمون على لحمي الرخيص
تزززززززز’’

أحد نصوص العرض. يمكن قراءة النصوص من خلال الكتاب المتوفر بالمكتبة الوطنية بالرباط تحت عنوان X system لطارق الرياحي و الذي سيكون قريبا متوفرا علىgoogle   للكتب و هو من منشورات فرقة الفينيق.
عند دخولنا الى عالم العرض يتم استقبالنا في عالم مظلم تعلو فيه آهات قبلية للهنود الحمر ذات الطابع الروحي. الفضاء عبارة عن حرف إكس لاتيني كبير من القماش تراكمت عليه تلال  من الفحم و اجساد كستها ثياب سوداء كليا لا تمتلك سوى فتحة صغيرة لعين واحدة رمزا للقمع و للخنوع و الاستسلام الى موروثات لا تسمح الانظمة في بلداننا التطرق اليها، بأنظمة نقصد المنابر الدينية، السياسية، الاجتماعية و حتى الثقافية. خمسة اجساد مريضة تقوم بنفس الأفعال افعال مزدوجة و تكرارية تتلاشى وتصبح مخفية مع مرور الزمن و شدة التعب. تتوسط الفنانة ليلى الرحموني الفضاء فوق حطام الفحم بنفس الملابس السوداء محاولة قراءة النصوص الأربعين من كتاب اسود و من خلال ميكروفون صعب الوصول اليه. هي تتصفح الاوراق بلسانها و توجه الصرخات التي تعبر عن اربعين حالة في حالة ثورة وجودية ضد الظلم. الهجين بين الاضاءة المزعجة و اكياس الدماء السوداء المعلقة، اداء الاجساد و كلامها الذي يطعننا، اكياس الفحم الثقيلة كتلك الاجساد المجهولة الهوية، هّم مسؤوليتنا في نقاش المواضيع الحسّاسة، جعل الأجساد هياكلا معتمة هويتها يتلاشى وجودها بسبب روتينية افعالها المتكررة و هي افعال مستوحاة من العمل اليومي. نشهد تعبها و جهدها طيلة العرض تحت الاثقال، العتمة و الفشل في اتمام المهام، لكننا لا نبصرها كليا، ننساها او نتناساها.
اجساد تحمل ارادة الانصهار في بوتقة واحدة  وهو العمل الختامي، لكنها غير قادرة على الخروج من نظامها العملي لتستنتج فكريا طرقا اخرى لتحقيق ذاتها خارج النظام المفروض عليها. فكأنّما بالأجساد تتحول إلى جسد واحد لا علاقة للألم الجسدي الذي يختبره بالألم النفسي الوجودي الذي يمر به الانسان في بحثه عن طريقه في الحياة وطريقته في الشعور بالآخرين. غاية الفنان الذي يستخدم هذه الاجسام بقسوة أو تطرف ليس استعراضا لقوة أو تعجيزا بل وسيطا لا يمكن استبداله في إحالته على فكرة الخنوع و الاستسلام السائدة في المجتمعات رغم التحولات السياسية التي كانت مبشرة بثورة فكرية موازية للثورات السياسية. هذا العالم الأسود  المتأجج بين الخنوع و الثورة الذي يلتهمنا طيلة ساعة ونصف ينتهى بصمت رهيب لا يكسره سوى الفكر والتساؤل عن كنه ظلال الخوف التي تمحو من  عالمنا الألوان و خاليا و تحاول حرمان الافراد من حرية اختبار و جودهم تحت ضوء شمس الحرية و الجمال. 
العرض من إبداع طارق الرياحي و من إنتاج فرقة الفينيق و اداء الفنانة ليلى الرحموني مع ثلة من الوجوه الشابة.



 
  طنجة الأدبية (2017-12-28)
Partager

تعليقات:
hannae /Maroc 2018-01-03
حظرت العرض و كان جد رائع لكني لم احصل على نسخة من الكتاب لانه كان قد بيعت منه كل النسخ. اتمنى ان يتم نشر كامل النصوص خاصة العربية لأنها جميلة جدا.
البريد الإلكتروني :

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

فن الأداء ثورة فنية تجربة الفنان طارق الرياحي و آخر أعماله

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia